أهمية الحديث عن الغزو التركي:

:

معالجة الأسئلة الصعبة عن الإمبريالية والتضامن.

في هذا المقال نحاول الإجابة عن الأسئلة العامة حول أهمية معارضة الغزو التركي لروجافا ونقترح تحليل تبعات هذا الغزو على السياسة العالمية.

بالنسبة لأولئك الذين لا يتابعون الأزمة في تركيا، وسوريا ،وكردستان، فإنه من الصعب فهم ما هو على المحك هنا. نحن محظوظون لأن البعض منا سافر إلى روجافا والمناطق القريبة. نحن نكتب هذه المقالة من مكان آمن، بعيدا عن المجازر التي ترتكبها القوات العسكرية التركية في سوريا، ولكننا لا نتوقف عن التفكير والقلق حول مصير رفاقنا في روجافا وكل من عانى كثيرا في هذه الحرب الأهلية الوحشية في سوريا.

إن الحرب لا تنطوي فقط على القنابل والرصاص، بل إنها أيضًا صراع بين السرديات المختلفة بما يتضمنه ذلك من بروباجندا ورقابة حكومية على المعلومات، حيث تقوم الحكومة التركية بحجب التقارير الإخبارية ، كما تقطع شبكة الإنترنت ، وتجبر الشركات المالكة لشبكات التواصل الاجتماعي على إسكات الضحايا من المعارضين .لا يسعنا في مواجهة كل هذا القمع سوى الاعتماد على تجاربنا الشخصية المعاشة بالإضافة إلى روابطنا الدولية مع الناس العاديين الذين يشبهوننا، وكذلك المشاريع التطوعية مثل منصة النشر هذه، والتي ترفض جميع أجندات الدول والشركات الرأسمالية.

ربما تم تحديد توقيت الغزو التركي جزئيًا من خلال رد دونالد ترامب على التحقيق في قضية عزله، حيث أن لدى الرؤساء الأمريكيين تقليد راسخ بالبدء بتدخلات عسكرية خارجية لصرف الانتباه عن القضايا المحلية، و محاولة ترامب لاتباع هذا التقليد ستكون عبر محاولة إشعال حرب أهلية في سوريا من خلال التظاهر “بإنهائها”. في جميع أنحاء العالم يبدو أن اليمين المتطرف يحاول سرقة الخطاب “المناهض للحرب” بنفس الطريقة التي سرقوا بها شعارات “مناهضة للعولمة” ، بينما في واقع الأمر قاموا بتكثيف كل من العدوان العسكري والرأسمالية، وهذا يماثل تماما شعارات “الانعزالية” اليمينية التي كان يتغنى بها هتلر وهو يحتل أراضي أوروبا.

إن الخيانة التي تعرض لها شعب روجافا مروعة لدرجة أنها أدت إلى إحراج العديد من السياسيين الأمريكيين الذين لا يمتعون بأدنى درجات الخجل عادة. ما لم نخلق ضغطًا كبيرًا من خلال العمل المباشر، فإننا نتوقع من حكومة الولايات المتحدة الوقوف متفرجة إزاء التطهير العرقي لروجافا قبل أن تفعل أي شيء للرد. وبغض النظر عن ما سيحصل ، فإن المؤكد أن الغزو التركي أدى إلى إعادة إشعال حرب أهلية كانت تقترب من نهايتها ، مما يهدد باستمرار إراقة الدماء لسنوات عديدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لا يمكن لإنسان يتمتع بالتعاطف أن يؤيد مثل هذا الغزو.

[[

جرافيتي أمام مبنى المحكمة في نيو أورلينز، لويزيانا في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2019

ألا يجب أن يؤيد مناهضو الإمبريالية انسحاب الولايات المتحدة من سوريا؟”

إن دعم سحب ترامب للقوات الأمريكية من سوريا باسم مناهضة الإمبريالية أمر ساذج ، إن لم يكن بنية سيئة أصلا .

حيث يبدو تورط الولايات المتحدة في سوريا مختلفًا تمامًا عما كان عليه في العراق وأفغانستان، فأكثر من 100.000 جندي أمريكي احتلوا العراق لأكثر من نصف عقد، بينما على النقيض من ذلك ، لم يكن هناك سوى ألفا جندي أمريكي في سوريا على الأكثر ، أي أقل من 2٪ من العدد الذي تم نشره في العراق، ويقوم الجنود الأمريكيون في سوريا بدور استشاري ، وهم ينفذون غارات جوية لكنهم لا يضطلعون أبدًا بمهمة القتال في الخطوط الأمامية.

حتى بعد إعلان ترامب أنه سيقوم القوات الأمريكية من سوريا فسيبقى قرابة 1000 جندي أمريكي في البلاد، ومن من الواضح أن فتح الطريق للغزو التركي تطلب نقل 50 من أفراد القوات الخاصة فقط و إبعادهم عن القنابل التركية. في الواقع أرسل الجيش الأمريكي 14000 جندي إضافي إلى الشرق الأوسط منذ أيار/مايو وبالأخص على إثر التطورات الحاصلة في السعودية، لذلك ما نراه الآن ليس عملية انسحاب للقوات، وإنما تحول في السياسات نحو السماح بتدمير المشاريع القائمة نسبيا على مبادئ المساواة مع دعم الأنظمة الأكثر سلطوية عبر نشر القوات الأمريكية هناك.

لذا فإن المناهضين للإمبرياليين الذين يرون في ذلك انتصارًا على العسكرة الأمريكية هم أغبياء بكل بساطة. حيث أن ترامب لم يقم بأي فعل من شأنه تقليص حجم الإمبراطورية الأمريكية، فكل ما قام بفعله ببساطة هو إعطاء الضوء الأخضر لأردوغان للبدء في بناء الإمبراطورية التركية والبدء في عمليات التطهير العرقي بينما القوات الأمريكية تقف متفرجة ، و لا يعد أمرا غير مسبوق في تاريخ الإمبريالية الأمريكية.

في مناسبة أخرى ، سيكون من المفيد النظر في معنى كلمة “معادو الإمبريالية” بمزيد من التفصيل، فكثيرا ما نرى هذه الكلمة مستخدمة من قبل أنصار بعض الإمبراطوريات المنافسة للولايات المتحدة - عادة روسيا أو الصين - ولكن ليس هاتين فقط؛ لذلك قد نحتاج إلى استخدام كلمة مختلفة لوصف أولئك المتسقين في معارضة جميع الإمبراطوريات وتدخلات الدولة وأشكال القوة الهرمية. على سبيل المثال قد نستعمل كلمة “ مناهضو الاستعمار” أو -بشكل أكثر وضوحا كلمة “ أناركيون”.

لسنوات ، سمعنا مؤيدي وجود الدولة من مختلف أركان اليسار يتهمون الأناركيين بأنهم أدوات لليبرالية الجديدة بسبب حقيقة أننا نعارض الحكومات الروسية، والصينية، والنيكاراغوية ، وكذلك حكومة الولايات المتحدة. هذه محاولة تلطيخ سمعة من قبل أشخاص قد يكون لديهم ضمير مذنب بشأن دعمهم المباشر للحكومات الاستبدادية، بنفس الطريقة التي يحب أنصار ترامب أن يزعموا بها أن جورج سوروس - الملياردير اليهودي- يقف وراء نشاط معاداة ترامب بينما هم يخضعون للمياردير ترامب مجانا. من العبث اتهام الأناركيين بأنهم أدوات لليبرالية الجديدة بسبب كشفهم لطرق مشاركة الصين وروسيا في النيوليبرالية ، ومن العبث كذلك اتهام الأناركيين بأنهم أدوات للإمبريالية بسبب انتقادهم للولايات المتحدة لإعطاء أردوغان الإذن بغزو روجافا.

إن حقيقة أن بعض الأشخاص الذين يعارضون التدخل الأمريكي يمكن أن يتم استدراجهم إلى التشجيع عندما تعطي الحكومة الأمريكية حكومة استبدادية أخرى الضوء الأخضر لقتل الآلاف من الناس يوضح عواقب تأسيس مبادئ الفرد السياسية بشكل انتهازي على عوامل عرضية ، مثل معارضة إمبراطورية معينة سائدة ، بدلا من المبادئ الأخلاقية مثل معارضة جميع أشكال الهيمنة.

سذاجة مفجعة من ناشطة مناهضة الحرب المزعومة ماديا بنجامين - تغريدة تغمرها الدماء الآن.

“هل الأكراد مجرد دمى للولايات المتحدة؟”

حقيقة أن حكومة الولايات المتحدة قد خانت شعب روجافا بسهولة تقلل من أهمية الادعاء بأنهم مجرد بيادق للاستراتيجية الأمريكية، فلقد كانت القوى التنظيمية في روجافا تقوم باتباع نفس أجندة بناء مجتمع متعدد الأعراق ويتمتع بحق تقرير المصير لسنوات عديدة قبل أن تجد الولايات المتحدة أنه من المناسب لها دعم كفاحهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

هل يجب علينا لوم مجموعات مثل حزب الاتحاد الديمقراطي في روجافا على التنسيق مع الولايات المتحدة؟ الأناركيون في روجافا جادلوا بأن الأشخاص هناك أجبروا على الاختيار بين ذبح الدولة الإسلامية لهم أو العمل مع الحكومة الأمريكية. بالنظر إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية كاد يغزو روجافا في عام 2014 ، فإنه من الصعب المجادلة بهذا الأمر.

عندما ننظر إلى القضية على نطاق فردي ، فإننا نتردد في إلقاء اللوم على امرأة - لا تتمتع بصلات تجمعها بمجموعات داعمة- حينما تتصل بالشرطة عندما تتعرض للهجوم. من غير المرجح أن تساعدها الشرطة بالطبع، والاعتماد على الشرطة يعيد إنتاج العوامل الهيكلية التي تسبب الفقر والعنف فحسب، ولكن إذا أردنا أن يتبنى الناس معارضتنا التامة للشرطة ، فعلينا أن نوفر لهم خيارات أفضل.

وبالمثل فإذا أردنا أن نعيش في عالم لا يرحب فيه الأشخاص في أماكن مثل روجافا بدعم الحكومة الأمريكية ، فسيتعين علينا تقديم بدائل موثوقة عبر الحركات الاجتماعية وحملات التضامن الدولية. يبحث الأناركيون عن طرق للقيام بذلك منذ سنوات، ويعني هذا في الوقت الحالي بذل كل ما في وسعنا لفرض عواقب على تركيا والولايات المتحدة على هذا الغزو.

“هل يدعم الأكراد الصهيونية والإسلاموفوبيا؟”

تتمثل إحدى السمات المميزة للتجربة الاجتماعية التي ظهرت في روجافا خلال السنوات القليلة الماضية في أنها- على عكس الأشكال المختلفة للقومية العرقية والدينية السائدة في المنطقة- متعددة الأعراق وشاملة لمختلف الفئات. جزء كبير من عناصر قوات سوريا الديمقراطية في روجافا هم من المسلمين. ربما كان من المجدي بالنسبة لبعض الإسلاموفوبيين في الولايات المتحدة دعم المقاومة الكردية لتنظيم الدولة الإسلامية عندما كانت الولايات المتحدة تدعم هذه المقاومة، ولكن يجب ألا نلوم الناس في روجافا على ذلك.

حافظت حكومة إقليم كردستان الإقليمية في العراق تاريخياً على علاقات جيدة مع كل من تركيا وإسرائيل . لكن الأحزاب الكردية المختلفة لديها أجندات مختلفة للغاية. هناك العديد من الانتقادات العادلة التي يجب توجيهها إلى روجافا ، ولكن من غير المنصف توجيه الاتهام لهم بأنهم صهاينة، بل على العكس من ذلك ، فيجب أن نعترف عمومًا بأنهم ليسوا مؤيدين للصهيونية ولا معاديين لليهود في منطقة تكون الكثير من القوى الفاعلة إما واحدة أو الأخرى.

على الرغم من وجود عناصر قومية في بعض الحركات والهياكل الكردية في روجافا ، إلا أنها لا تكاد تكون عرقية مثل العديد من التيارات القومية الأخرى في المنطقة، وعلى أي حال ، لا يتعين علينا تأييدهم لمعارضة الغزو التركي لروجافا.

“هل خان الأكراد الثورة السورية؟”

باعتبارنا أناركيين ، فإننا نعتبر أن المدافعين عن نظام الأسد يستحقون أدنى درجات الازدراء ، فأولئك الذين يفسرون الانتفاضة الأصلية ضد نظام الأسد بأنها عملية لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية هم من أنصار نظرية المؤامرة الذين ينكرون مشاركة الناس الفاعلة على مستوى الأرض بمبادرتهم الداخلية. مدح الاستبداد بسم “الاشتراكية” وتبرير عنف الدولة على أساس السيادة الشرعية هو أمر جبان بكل بساطة، فلقد كانت الثورة الأصلية في سوريا رد فعل على قمع الدولة ، تمامًا مثل الثورات في تونس ومصر. نحن نؤيد حق المضطهدين في التمرد حتى لو كان ميئوسا منه، فولا هذا النوع من الشجاعة ، لكانت البشرية ما زالت تعيش في ظل الحكم الملكي الوراثي، ونحن نحتاج المزيد من هذه الشجاعة لأن مجتمعاتنا تنحدر إلى الطغيان مرة أخرى.

في ضوء تجارب أولئك الذين شاركوا في الانتفاضة الأصلية في سوريا ، يمكننا أن نتعلم الكثير عن مخاطر النزعة العسكرية في الكفاح الثوري، حيث بمجرد أن تحول الصراع مع حكومة الأسد من الإضرابات والتخريب إلى العنف العسكري ، كان أولئك الذين كانت تدعمهم الدولة أو القوى المؤسساتية قادرين على جعل أنفسهم الطرف الأقوى في الصراع، وبذلك تمكن الإسلاميون وغيرهم من الرجعيين من تجميع السلطة في أيديهم والسيطرة على راية الثورة. وكما جادل الأناركيون التمرديون الإيطاليون ، “فإن قوة التمرد هي قوة اجتماعية وليست عسكرية..” لم تنتشر الانتفاضة بالسرعة الكافية لتصبح ثورة، وبدلاً من ذلك ، تحولت إلى حرب أهلية مروعة ، مما أدى إلى نهاية ما يسمى ب”الربيع العربي” ومعها نهاية موجة الثورات في جميع أنحاء العالم.

إن حقيقة أن الانتفاضة في سوريا قد انتهت بحرب أهلية قبيحة ليست غلطة من تجرؤوا على مقاومة نظام الأسد. بل بالأحرى ، هذا يُظهر لنا مرة أخرى أننا لسنا شجعانا أو منظمين بما يكفي لدعمهم بالشكل الصحيح، و توضح النتيجة المؤسفة للانتفاضة السورية العواقب الكارثية للاعتماد على حكومات دول مثل الولايات المتحدة لدعم أولئك الذين يدافعون عن أنفسهم ضد الاضطهاد والقمع، والغزو التركي الحالي يؤكد نفس الشيء.

بعض الناس خارج سوريا يلومون الأكراد على هذا الفشل، إلا إنه يبدو لنا من النفاق أن شخصا لم يذهب إلى سوريا للمشاركة في الكفاح يستطيع أن يتهم الأكراد بالإحجام عن القتال في المرحلة الأولى. إن الأشخاص الوحيدين الذين يمكن لهم توجيه هذه التهمة هم الذين شاركوا في المرحلة الأولى من الانتفاضة السورية بأنفسهم.

نحن نشعر بالتعاطف مع هذا الإحباط الذي نسمعه من اللاجئين السوريين، فلقد تعلمنا الكثير من السوريين الذين خاطروا بشجاعة في الثورة فقط ليجبروا على الفرار على طول طريق البلقان ، وينتهي بهم المطاف في أماكن مثل اليونان وسلوفينيا، ولقد ساهم الكثير من اللاجئين السوريين بشكل مثير للإعجاب في النضالات الاجتماعية في هذه البلدان - على الرغم من وجودهم هناك مجبرين، وعلى الرغم من كراهية الأجانب والاضطهاد الذي واجهوه يوميًا. ومنذ ذلك الحين ، تم سجن أو ترحيل الكثير منهم من قبل أنظمة الحدود والهجرة العنصرية.

من حيث نتواجد نحن فإنه ليس من السهل الحكم على قرارات أفراد أقلية مضطهدة في سوريا ، كانت بعيدة عن معظم القتال في بداية التمرد ، كما تعرضت للخيانة مجموعات أخرى في الماضي مرارًا وتكرارًا. ربما لو أن الأكراد وغيرهم في روجافا خاطروا على الفور بكل شيء وساهموا في الصراع ضد الأسد ، لكان الأمر قد تحول بشكل مختلف. إذا كان هذا صحيحًا ، فإن الدرس المستفاد من هذه المأساة هو أنه من الأهمية بمكان بناء الثقة والتضامن بين المجموعات العرقية والدينية من قبل أن يقوم الشعب بإشعال فتيل الثورة، وهذا يشكل سببا آخرا للقلق حول مصير مختلف الجماعات العرقية في المناطق التي تتعرض للغزو التركي في الوقت الحالي.

للأسف فإنه من المحتمل أنه حتى لو كانت الانتفاضة قد أطاحت بالأسد ، فإن سوريا لن تكون أفضل حالًا اليوم .انظر إلى مصر وليبيا واليمن على سبيل المثال، وبدلاً من مجرد استبدال حكومة ما بحكومة أخرى ، فإن أهم شيء يمكننا أن نأمل في تحقيقه من النضال هو فتح مساحات مستقلة لتقرير المصير والتضامن يمن للناس من خلالها استكشاف طرق مختلفة للترابط فيما بينهم، وإلى حد ما فإن التجربة في روجافا قامت بتحقيق ذلك.

لكن حتى لو كان الناس في روجافا اليوم مسؤولين بطريقة أو بأخرى عن فشل الانتفاضة السورية ، فهل يستحقون ذبحهم من أجل هذا؟

لا طبعا.

بدأ الغزو للتو.

“لكنني قرأت في مكان ما على الإنترنت أن” الأكراد “متورطون في التطهير العرقي؟ ألا يحتجزون الناس في معسكرات الاعتقال؟ “

في أي مكان توجد سجون - في أي مكان يوجد فيه نظام عقوبات - هناك اضطهاد. نحن مع إلغاء السجون، ونحن لا نؤيد الحبس من أي نوع. في الوقت نفسه ، هناك الآلاف من القتلة الجماعيين بين سجناء تنظيم الدولة الإسلامية الذين يصممون بالتأكيد على استئناف القتل بمجرد إطلاق سراحهم، ويمثل هذا وضعًا صعبًا لكل من يأمل في رؤية مصالحة متعددة الأعراق والتعايش السلمي في المنطقة.

على أي حال ، كانت هناك سجون في العراق في عام 2003 - وهذا لم يمنعنا من محاولة منع بوش من غزو العراق. لا يتعين علينا أن نؤيد كل ما تقوم به قوات الدفاع الذاتي أو حزب الاتحاد الديمقراطي لمعارضة العدوان العسكري لتركيا، والتي هي دولة أكثر استخداما للسجون.

وبالمثل ، رأينا تقارير عن وجود مظاهر عنف في روجافا تحت ظل”الإدارة الذاتية” الحالية. لا نعتبر روجافا يوتوبيا ؛ كوننا أناركيين ، فإن لدينا انتقادات حول البنى السياسية هناك، ولكن يتعين علينا أن نرى الأمور في سياقها المناسب ، وبالنسبة للوحشية التي تمارسها معظم الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة - وخاصة داعش وتركيا والأسد - فإن الأكراد في روجافا لديهم سجل جيد.

إن احتجاز مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية إلى جانب النساء والأطفال من المناطق التي كانت خاضعة للتنظيم هو بالكاد أسوأ شيء يمكن أن يحدث. من خلال ما سمعه البعض منا في روجافا خلال المرحلة الأخيرة من الكفاح ضد تنظيم الدولة الإسلامية ، كان الأشخاص الوحيدون في أي مكان في العالم الذين أرادوا تسلم سجناء التنظيم من روجافا هم الميليشيات الشيعية العراقية. بعيد السيطرة على باغوز، يقال إنهم كانوا يعرضون على قوات سوريا الديمقراطية أموالاً وأسلحة مقابل مقاتلي تنظيم الدولة العراقيين السجناء على أمل الانتقام العنيف منهم. ويحسب لقوات سوريا الديمقراطية رفضهم تسليم السجناء.

نحن لا ندعم السجون ، لكن علينا أن نؤكد على شدة الصراع والكراهية في سوريا والعراق بعد الكثير من الحرب. كان من الممكن إعدام هؤلاء الزسرى بشك سريع في حال وقعوا في أيدي الحكومتين السورية أو العراقية ، أو تعرضوا للتعذيب ببطء ومنهجية على أيدي الميليشيات الشيعية ، بدلاً من توفير الغذاء والرعاية الطبية كما حصل في روجافا.

في الواقع انتقد البعض في المنطقة روجافا لكونها متساهلة للغاية مع هؤلاء السجناء. إذا كانت تركيا أو وكلاءها المرتزقة السوريون يمكّنون سجناء تنطيم الدولة من الفرار واستئناف أنشطتهم السابقة ، فإن كل من يؤيد إعدام السجناء سوف يزعم أنه قد تم إثبات صحة رأيه.

بالنسبة لمناهضي السجون وأي شخص آخر يرغب في رؤية السلام في الشرق الأوسط ، فإن الأولوية القصوى الآن هي وقف الغزو التركي، وليس علينا إضفاء الشرعية على أي سياسة كردية معينة للقيام بذلك.

“لكن تركيا تقول إن المنظمات في روجافا إرهابية وتزعم أنها مهددة من قبلهم”.

من العبث الجدال بأن الأشخاص العاديين في تركيا تعرضوا للتهديد من قبل التجربة في

روجافا. وافق الجيش الأمريكي بالفعل على الإشراف على الدوريات على طول الحدود، والعديد من الموجودين على الجانب الآخر من تلك الحدود هم أشخاص أكراد لديهم الكثير من القواسم المشتركة مع الناس في روجافا. روجافا الحرة لا تهدد الشعب التركي ؛ بل هي تهدد نظام أردوغان والقمع الذي يواجههه الشعب الكردي في تركيا. هذه حرب قومية عرقية بكل بساطة.

كان هناك صراع عنيف في تركيا بين الدولة التركية والحركات الكردية والجماعات المسلحة منذ عقود. يعتقد أردوغان أنه يمكن أن يستمر في الحفاظ على التفوق بقوة السلاح ، داخل تركيا وضد البلدان المجاورة ، ومواصلة الإرث الذي يشمل الإبادة الجماعية المنهجية لأكثر من مليون أرمني قبل قرن فقط.

بالتأكيد ، الآن بعد أن استعادت تركيا الحرب الأهلية السورية ، سيتعرض عدد أكبر بكثير من المدنيين الأتراك للقتل أكثر مما كان يمكن أن يموت. من المأمول أن يوضح ذلك لبعض الناس في تركيا أن عسكرة الدولة لا تجعلهم أكثر أمانًا ، بل تعرضهم للخطر ، وكذلك تلك الموجودة على الجانب الآخر من القذائف والقنابل.

“لكن تركيا تقول إن عليها السيطرة على روجافا لإعادة توطين اللاجئين السوريين هناك”.

ليس من الواضح بالضبط ما هي خطط تركيا للمنطقة ، ولا لمن يأملون في الاستقرار هناك ؛ غالبية اللاجئين السوريين في تركيا ليسوا من روجافا. في المقام الأول تود تركيا إبعاد الأكراد عن حدودها من أجل خنق حركات الاستقلال الكردية.

على أي حال ، فإن استخدام تركيا للقوة العسكرية لقتل أو تشريد ملايين الأشخاص واستبدالهم بسكان مختلفين تمامًا هو تعريف التطهير العرقي بحد ذاته. إن حقيقة إعلانهم في وقت مبكر عن أنهم يعتزمون ارتكاب جرائم حرب أمر مثير للصدمة.

“هل معارضة الغزو التركي تدعم أيضًا السياسة العسكرية الأمريكية؟”

كأناركيين ، نحن لا نعتقد أن الجيش الأمريكي يمكنه أن يفعل أي شيء جيد في العالم. لكن لا يجب على أحد إضفاء الشرعية على الجيش الأمريكي لمعارضة الغزو التركي. نحن لا ندعو الجيش الأمريكي إلى حل الوضع ؛ نحن ندعو الأطراف المسؤولة عن هذه المأساة - الحكومات الأمريكية والتركية وجميع الشركات التي تساعد في وضع جداول أعمالها - والضغط عليها لوضع حد لها.

عندما غزا هتلر على تشيكوسلوفاكيا في عام 1938 ،وعندما غزا بوش العراق في عام 2003 ، لم يضطر أحد إلى تأكيد أو إضفاء الشرعية على أي دولة أو حكومة أو جيش لمعارضة هذين الغزوين . بدلاً من ذلك ، من خلال جعله غير مريح قدر الإمكان أن يقف أي شخص في موقف المتفرج أثناء حدوث مثل هذه المآسي ، فإننا نقوم بسن معارضتنا المبدئية للظلم عبر جعله من غير الممكن قدر الإمكان لأي أحد أن يقف متفرجا إزاء هذه المآسي.

وبالمثل ، يجب أن توضح خيانة الأكراد لأي شخص لا يزال يثقق في حكومة الولايات المتحدة - أو أي حكومة - أننا لن نحقق السلام في العالم سوى بقدر ما يمكننا خلقه بجهودنا الخاصة ، وعبر بذل قصارى جهدنا يمكن حل النزاعات أفقيا بينما ندافع عن أنفسنا ضد هياكل القوة العمودية لأولئك الذين يطمحون للحكم.


توضح مغالطات مثل “إذا كنت ضد الغزو التركي ، يجب أن تكون في صالح الإمبريالية الأمريكية” مصاعب التفكير الثنائي. من الأسهل فهم ما هو على المحك في هذه الحالة إذا أدركنا أن هناك ثلاثة جوانب أساسية على الأقل للنزاعات العالمية الحالية، ويمثل كل منها رؤية مختلفة للمستقبل:

  • النيوليبراليين من كافة الأطياف من ليندساي غراهام وهيلاري كلينتون إلى الأحزاب اليسارية المفترض مثل SYRIZA في اليونان وحزب العمال في البرازيل. على الرغم من أنهم يختلفون حول التفاصيل ، إلا أنهم يشتركون في هدف مشترك يتمثل في استخدام حوكمة الدولة العالمية المتشابكة لتحقيق الاستقرار في العالم في خدمة الرأسمالية.

  • القوميون مثل ترامب ،وأردوغان ، وتنظيم الدولة الإسلامية ، الذين كان تواطؤهم واضحًا بدرجة كافية في سياق هذه القضية. تشمل هذه الفئة أيضًا الأسد وبوتين وغيرهم من الديماغوجيين الذين - مثل الليبراليين الجدد - غالبًا ما يكونون على خلاف مع بعضهم البعض ، لكنهم جميعا يتبعون نفس الرؤية لعالم ما بعد النيوليبرالية من الدول العرقية المتنافسة.

  • الحركات الاجتماعية من أجل التحرير التي تسعى إلى تعزيز تقرير المصير التعددي والمتكافئ القائم على الاستقلال والتضامن. ما نراه في روجافا مشابه لهذه المبادئ ، حتى لو كان للكثير منه طابع قومي كذلك.

عندما يتعاون القوميون ضد تجربة اجتماعية كتجربة روجافا ، فإن الدعوة للمقاومة يجب ألا تعني تأييد النيوليبراليين الذين سبق لهم إدارة السلام والحرب. على العكس من ذلك ، علينا أن نبني حركاتنا الاجتماعية في الوقت الذي ننفصل فيه عن كل من الأجندات القومية / العسكرية والجداول النيوليبرالية / الإصلاحية. و بخلاف ذلك ، سنظل أداة إلى الأبد في يد جانب أو آخر ، إما عن طريق التلاعب المباشر أو خوفًا من تحقيق المجموعة الأخرى للسيطرة.

“كيف يمكننا أن نأمل في وقف تركيا ، التي تمتلك أحد أقوى الجيوش في العالم؟”

قد لا ننجح في إجبار الحكومتين الأمريكية والتركية على وقف غزو روجافا. ولكن حتى لو لم نفعل ذلك ، فهناك أشياء مهمة يمكن أن نحققها من خلال اتخاذ إجراءات وفرص قيمة سنضيعها إذا لم نفعل ذلك.

إن غزو روجافا يحدث في ظل خلفية عالمية من القومية المتصاعدة والصراع والاستبداد. علينا أن نفهم هذا على أنه معركة واحدة في صراع أكبر بكثير، وعبر وضعه في سياق النضالات العالمية الأكبر التي تحدث الآن ، يمكننا تحديد العديد من الأهداف التي هي في متناولنا تمامًا:

  • يمكننا أن نظهر التواطؤ بين القوميين مثل ترامب وأردوغان وتنظيم الدولة الإسلامية ، ونزع شرعيتهم أمام الرأي العام من خلال ربطهم مع بعضهم البعض.
  • يمكننا تبني موقف معاد للدولة باعتباره الشكل الوحيد الموثوق للتضامن مع الشعوب المستهدفة ضد اضطهاد الدولة والاستعمار - ليس فقط الإمبريالية الأمريكية ، ولكن أيضًا الإمبريالية التركية والروسية والصينية ، بالإضافة إلى الإمبرياليات الأخرى.

  • يمكننا إضفاء الشرعية على أشكال العمل المباشر وتعميمها باعتبارها الطريقة الوحيدة للضغط الفعال على السلطات. عندما تفشل السياسة الانتخابية في تقديم أي تقدم ملموس نحو التغيير الاجتماعي ، يتعين علينا تعويد الناس على المناهج الأخرى.

إذا كان تنظيم الدولة الإسلامية قادرًا على بدء نشاطه مرة أخرى - إذا لم يكن هناك سلام أو مستقبل إيجابي في الشرق الأوسط لعقد آخر - فنحن نريد من كل شخص في العالم أن يعرف اللوم يقع على من وأننا فعلنا كل ما بوسعنا لإيقافه.

إن المخاطر كبيرة ، ولكن إذا قاتلنا بقوة ، يمكننا الخروج من هذا الكابوس ونحن أقرب بخطوة واحدة إلى عالم خالٍ من الحروب. أو -إذا فشلنا في ذلك- فإلى عالم نقاتل فيه على الأقل ضمن صراعات من اختيارنا ، وليس ضمن مآس لا معنى لها مثل هذه.

أعمال تضامنية ضد الغزو التركي في فرايبورغ، ألمانيا.